وأكمل سماحته توضيح موقف الجمهورية الإسلامية من الحرب في أوكرانيا، فقال: «نحن طبعاً نؤيّد وقف الحرب في أوكرانيا، ونريد أن تنتهي الحرب هناك، لكن علاج أيّ أزمة يكون متاحاً حصراً عندما يجري التعرّف إلى جذورها، وجذور أزمة أوكرانيا هي سياسات أمريكا والغربيّين، فهذه هي جذور الأزمة، ولا بدّ من معرفة هذه الجذور والحُكم بناء عليها، وإذا كنّا من أهل المبادرة، نبادر إلى ذلك».

كذلك، أشار الإمام الخامنئي إلى مزيد من العبر من الحرب في أوكرانيا، فقال: «هناك عبرتان في أحداث أوكرانيا إحداهما أن مساندة القوى الغربية الحكومات التي صنعتها هي سراب، فلتنظر الحكومات التي تسند ظهرها بأمريكا وأوروبا إلى هذا الأمر: اليوم أوكرانيا، وفي الأمس أفغانستان... قال كل من الرئيس الأوكراني والرئيس الأفغاني الهارب إننا وثقنا بأمريكا والحكومات الغربية، وهؤلاء تركونا وحدنا».


أما العبرة الثانية في مسألة أوكرانيا، فهي أن «الناس أهم سند للحكومات، فلو دخل الناس الميدان في أوكرانيا، ما كان وضع الحكومة الأوكرانية والشعب الأوكراني على هذا النحو... تماماً مثلما غزت أمريكا العراق في عهد صدام، حين لم يدافع الشعب ووقف جانباً، فهيمنت أمريكا، ولكن في هذا العراق نفسه عندما هاجم "داعش" دخل الناس الميدان وتمكنوا من صد "داعش" الذي كان يشكل خطراً كبيراً، فالناس هم العامل الرئيسي في استقلال الدول».

في سياق متصل، انتقد قائد الثورة الإسلامية المنطق المريض للنظام الأمريكي وقتل الأبرياء باسم مكافحة الإرهاب، وقال: «لسنا مثل الغربيين الذين منطقهم أنهم إذا ألقوا قنبلة على قافلة زفاف في أفغانستان وتحول الزفاف إلى حداد، يكون ذلك مكافحة للإرهاب وليس جريمة، فكذلك كان منطقهم في أفغانستان والعراق».


وفي إشارة إلى جرائم أمريكا في أقصى نقاط العالم، طرح سماحته بعض الأسئلة الرئيسية: «ماذا تفعل أمريكا في شرق سوريا، ولماذا يسرقون نفط سوريا وأموال أفغانستان، ولماذا يغصبون ثروة أفغانستان الوطنية، ولماذا يدافعون عن جرائم الصهاينة التي ترتكب ليل نهار في غربي آسيا؟»
بناء على ذلك وصف الإمام الخامنئي هذه الممارسات الأمريكية بأنها مثال واضح على صنع الأزمات، مشيراً إلى أن هذه الأعمال تحدث باسم حقوق الإنسان. وعن موقف إيران، قال: «نحن لسنا مثلهم، أي إذا حدث شيء ما في النقطة التي نريدها، نحكم عليه بطريقة ما، وعندما يحدث في مكان آخر، نحكم عليه بطريقة أخرى!» واستطرد سماحته في وصف المعايير المزدوجة للغرب، فقال: «الشعب اليمني تحت القصف منذ ثماني سنوات والغربيون لا يدينون ذلك، بل يدافعون عنه أيضاً».

في جزء آخر من خطابه بمناسبة عيد المبعث النبوي، رأى قائد الثورة الإسلامية أن «بعثة رسول الله (ص) هدية الله المتعالي إلى البشرية». وقال: «كان من أهم شعارات النبي الأكرم (ص) وتوجيهاته التصدي للجاهلية». ولتبيين الجاهلية التي قبّحها القرآن مراراً، قال سماحته: «المقصود من هذه الجاهلية ليس الأمية والجهل فقط، فالخُلقيات الدنيئة هي أيضاً جزء من هذه الجاهلية... إن التصرفات المؤذية للناس والقتل والسرقة والاعتداء وقتل الضعيف، التي كانت كلها شائعة بين أهل الجزيرة العربية، هي جزء من تلك الجاهلية نفسها، وكذلك الابتذال الجنسي، والابتذال الأخلاقي... لقد تصدّت البعثة النبوية لها كلها».


وأشار الإمام الخامنئي إلى أن عدداً من تلك الرذائل الأخلاقية الشائعة في زمن جاهلية العرب موجودة اليوم في ما يسمى العالم الغربي المتحضر، على نحو أكثر تنظيماً وشدة. وقال: «أصلاً أساس الحياة في الحضارة الغربية هو الحرص والطمع، وركيزة القيم الغربية كلها اليوم المال، والسياسة الرائجة للحكومات هي كلها في خدمة التمييز». واستدرك سماحته: «بالطبع هذه الجاهلية الحديثة ليست بالشكل نفسه في كل مكان في العالم، وفي رأيي إن أمريكا هي المثال البارز والتام على الجاهلية الحديثة». 


في شرحه هذه القضية، تكلم الإمام الخامنئي حول «الوضع المؤسف لانتشار المفاسد الأخلاقية في أمريكا والتمييز المتنامي في هذا البلد». ورأى أن أمريكا هي مظهر صنع الأزمات في العالم، مضيفاً: «النظام الأمريكي هو في الأساس نظام صنع الأزمات ويعيش عليها، وشبكات مافيا السلطة داخل أمريكا ترتزق من الأزمات التي تحدث حول العالم». كما وصف النظام الأمريكي بالنظام المافياوي، وقال: «كل أنواع المافيات تتحكم في سياسات هذا البلد، وفي الحقيقة إن البلد تحت تصرّفهم... يأتون بأشخاص إلى السلطة من وراء الحكومات، ويزيحون أشخاصاً ويأتون بالرؤساء إلى السلطة، ثم يحتاج هذا النظام المافياوي إلى إيجاد أزمات في أماكن حول العالم».